الأربعاء، 28 شتنبر 2011

علم اللغة


اللغة (علم ـ) مقال مأخوذ من موقع : الموسوعة العربية .
 www.arab-ency.com
يرى ابن جني أنّ اللغة أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم. ويرى بعض علماء اللغة المحدثين أنّ اللغة واحدة من أعجب المبتكرات التي أظهرها التطور الإنساني؛ ولذا يجب الوقوف عندها. واللغة بضربيها الملفوظ والمكتوب، أداة عجيبة تنتقل بها الأشياء التي تقع عليها حواسنا إلى أذهاننا، فكل ما تموج به الدنيا من مشاهد وصور في الطبيعة أو المجتمع ينتقل بصورة عجيبة إلى الذهن بطريقة الكتابة أو اللفظ. وكذلك كلّ ما في الذهن من خواطر ومشاعر وأفكار ينتقل إلى الآخرين، وينتقل من عصر إلى آخر، ومن جيل إلى جيل عن طريق هذه الأداة العجيبة. فاللغة إذن هي الجسر الذي يصل بين الحياة والفكر، وهي تسبق وجود الأشياء أحياناً وتلحقها أحياناً أخرى، وعليه فعلم اللغة هو دراسة اللغة على نحو علمي.
 إن من يحسن اللغة قد يعرف ألفاظها ومعانيها ونحوها وصرفها وأساليبها وفنون آدابها، غير أنه قد يفوته مسائل أخرى تتصل بها، وعلى من يتعلم اللغة أن يقف عندها، مثل معرفة نشأة الألفاظ، ومن أين أتت، ومعرفة الأصوات التي تتألف منها، والوقوف على الصلة بين اللفظ ومعناه، وعلى التطور الدلالي للفظ، والإلمام بنشأة قواعد النحو والصرف.
وهذه المسائل تنضوي تحت علم اللغة، وهو بهذا المعنى يختلف عن دراسة جزئيات اللغة، فعلم النحو والصرف وعلم الدلالة يبحث في نطاق محدود، أما علم اللغة فهو الدراسة الشاملة للغة بوجه عام، لاستخراج قوانينها الخاصة بها، ومعرفة تطورها سواء كان ذلك في أصواتها وألفاظها، أم مفرداتها ومعانيها أم في تراكيبها وأساليبها.أما مصطلح علم اللغة في التراث العربي فهو يعني الكلام على نشأة اللغة وأصلها، وجمع الألفاظ وتدوينها، والبحث في دلالاتها واشتقاقها، ودراسة بعض جوانبها التصريفية والصوتية، ودراسة مناهج المعاجم وطرقها وما يتصل بذلك، وهذه الموضوعات قد تتصل بعلم اللغة الحديث الذي يبحث في موضوعات كثيرة متنوعة، مثل علم الأصوات، وبناء الألفاظ، واشتقاقها، وتطورها من حيث الدلالة، ويبحث في التراكيب، وفي التطور التاريخي والاجتماعي للغة، وأفاد هذا العلم من الدراسات الاجتماعية والنفسية، فدرس اللغة في إطارها الاجتماعي والحضاري، ودرس العلاقة بين علم النفس واللغة؛ لأنّ اللغة سلوك إنساني.
أما مصطلح فقه اللغة فهو مصطلح بيّن في التراث العربي، وقد ظهر أول مرة في القرن الرابع الهجري في كتاب «الصاحبي في فقه اللغة وسنن العربية في كلامها» لأحمد بن فارس، وكذا نراه في كتاب «فقه اللغة وسرّ العربية» لأبي منصور الثعالبي.
ومفهوم علم اللغة الحديث يختلف عن المفهوم القديم لفقه اللغة ؛ لأنّ عبارة فقه اللغة عند القدماء كانت تعني - عموماً- الوقوف على خصائص اللغة. وقد برزت أولى مظاهر الاهتمام باللغة في العصر الحديث في القرن الثاني عشر، بعد أن اكتشف المستشرق البريطاني وليام جونز  W.jones نصوصاً سنسكريتية (لغة الهند القديمة) يعود تاريخها إلى 4000 سنة ق.م. وقد أدّت دراسة هذه النصوص إلى اكتشاف التشابه القائم بين اللغة السنسكريتية واللغات الهندية الأوربية. وقد كانت هذه الدراسة الأساس الذي بني عليه مبحثان من مباحث علم اللغة، هما علم اللغة المقارن، وعلم اللغة التاريخي اللذان كانا من صلب الدراسات اللغوية في القرن التاسع عشر الميلادي.
وقد وضع لغويو القرن التاسع عشر الغربيون من أمثال فيرث Firth وراسك Rask  ويسبرسُن Jesperson أنفسهم في إطار هذه الدراسات، وذهب يسبرسُن إلى أنّ علم اللغة هو مجرد علم تاريخي، وبلغ التأثر بمناهج العلوم الطبيعية أن قام ماكس مولر Max Muller بتصنيف اللغات على الأسس المعتمدة في علم النبات.
كانت اللغة تسير في صلب الدراسات الفلسفية والتاريخية عندما بدأ علماء اللغة بحوثهم في بداية القرن العشرين، ولكن الجهود تركزت فيما بعد على وصف اللغة وصفاً علمياً، من الناحية الصوتية والشكلية والتركيبية، والنظر إليها من مستويات الصوت والتركيب والمفردات والمعنى.
ومع فردينان دي سوسور F.de Saussure اتخذت المفاهيم اللغوية منحى جديداً، فلم يهتم سوسور بدراسة أصول اللغة ومراحل تطورها المختلفة؛ بل عمل على استقصاء واقعها القائم، وأشكالها الراهنة في زمن محدد، وبمعزل عن خلفياتها التاريخية البعيدة.
وقد ظهرت مناهج عديدة لدراسة اللغة تبعاً للجانب المدروس منها: كالمنهج الوصفي الذي يحاول وصف المظاهر اللغوية من دون معرفة العلل والمسببات، والمنهج التاريخي الذي يدرس اللغة في فترات متباعدة؛ ليرصد مدى التغيير الذي أصابها في كل مستوياتها، والمنهج المقارن الذي يظهر مواطن الاتفاق والاختلاف بين لغة وأخرى.
ولم يبدأ علم اللغة بالتطور بصورة سريعة إلاّ مع بداية القرن العشرين، فقد نشأت عدة مدارس ذات اتجاهات مختلفة، إذ قامت في أمريكا الشمالية مدرسة أخذت أصولها من بلومفيلد Bloomfield الذي يعدّ رائد البحث اللغوي الحديث في الولايات المتحدة، ونعوم تشومسكي Naom Chomsky. وظهرت في أوروبا أبحاث ونظريات دي سوسور، ورومان ياكُبسون Romon Jacobson.
ومن المباحث التي تتفرع من علم اللغة علم الأصوات اللغوية الذي يدرس الحروف من حيث هي أصوات؛ فيبحث عن مخارجها وصفاتها، وعن قوانين تبدلها وتطورها، وتطورها في كل لغة من اللغات، وفي مجموع اللغات القديمة والحديثة.
وقد عني العرب قديماً بهذا العلم، وذلك لضبط تلاوة القرآن الكريم، ومن نافلة الكلام أنّ علم التجويد أدخل علوم القرآن الكريم في هذا الباب. والناظر في التراث اللغوي العربي يرى أنّ كثيراً من المظانّ تقوم على الدرس الصوتي، وأنّ المباحث الصوتية منثورة في كتب التصريف واللغة.
ويتفرع منه أيضاً درس الألفاظ، وقد تناولها علماء اللغة من وجوه عدة، فبحثوا في اشتقاقها وإرجاعها إلى مادتها الأصلية سواء أكانت من اللغة نفسها أم منقولة من لغة أخرى، فعلم الاشتقاق Etymologie يبحث في الأطوار التي تقلبت فيها الكلمة، ويحدد بذلك صلتها بالألفاظ الأخرى وقرابتها وتحولاتها. ويدخل في هذا الباب في اللغة العربية بحث (النحت) و(التعريب).
وكذا فقد بحثوا في بنية الكلمة وصيغتها Morphologie ، وهذا الموضوع يردّ إلى علم التصريف، غير أنّ علم اللغة قد توسع في دراسته ومباحثه، فهو يبحث في نشوء الصيغ وتطورها على مرّ العصور، ويقارن في ذلك بين اللغات، ولا سيما ما تقارب منها. وقد بحثوا في معاني الألفاظ من نشوئها إلى تطورها على مرّ العصور، وبحثوا أيضاً في خصائص هذه الألفاظ وصفاتها ومعانيها.
ومما يتفرع منه علم اللغة: التراكيب؛ إذ يبحث في تراكيب اللغات ونظم الكلام وتركيب أجزائه فيها، وفي طريقة ربط الكلام والأدوات الرابطة، ووظائف الكلمة في التركيب، وأحوال إعرابها، وتعليل ذلك كله، وصلته بنفسية المتكلم وعقلية الشعب، وتطور التراكيب على مرّ العصور وأسباب ذلك.
ويستفيد علم اللغة في هذه المباحث من علمي النحو والمعاني؛ ليخرج إلى أفق أوسع.
ويستعين علم اللغة بعلوم أخرى قامت بينه وبينها علاقات وثيقة، وأبرز هذه العلوم علم الاجتماع؛ لأنّ اللغة ظاهرة اجتماعية حضارية، ولذا يلتقي في بحثها علم اللغة مع العلوم الاجتماعية المختلفة.
 وقد أفاد الباحثون في العلوم الاجتماعية من نتائج البحث اللغوي من عدة جوانب، منها أنّ اللغة أهم مظاهر السلوك الاجتماعي، وأوضح سمات الانتماء الاجتماعي للفرد. وأفاد اللغويون كذلك من الدراسات الاجتماعية؛ فدراسة الألفاظ ودلالاتها على نحو دقيق لا تتم إلاّ في إطارها الاجتماعي والحضاري، والتغيير اللغوي لا يفسر تفسيراً كاملاً إلاّ في ضوء الظروف الحضارية والاجتماعية، كما أنّ هناك قضايا لغوية كثيرة لا تتضح معالمها إلاّ بالتعاون بين الدراسات اللغوية والاجتماعية والحضارية، ومنها علم النفس، إذ ترجع العلاقة بين علمي اللغة والنفس إلى طبيعة اللغة كونها أحد مظاهر السلوك الإنساني، فإذا كان علم النفس يعنى بدراسة السلوك الإنساني عموماً فإنّ دراسة السلوك اللغوي تعدّ أحد جوانب الالتقاء بين علم اللغة وعلم النفس.
ومن مجالات علم اللغة ومناهجه علم اللغة التاريخي الذي يبحث علم في تطور اللغة الواحدة عبر القرون، فتاريخ اللغة من جوانبها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية يدخل في مجال علم اللغة التاريخي. ومعنى هذا أنّ دراسة تطور النظام الصوتي للعربية الفصحى هي دراسة صوتية تاريخية، وتطور الأبنية الصرفية ووسائل تكوين المفردات في العربية على مدى القرون مما يدخل في الدراسة الصوتية التاريخية، وتطور الجمل الشرطية أو جملة الاستفهام في العربية الفصحى مما يدخل في الدراسات النحوية التاريخية والمعاجم التاريخية التي يسجل كل منها تاريخ حياة كل كلمة من كلمات اللغة من أقدم نص جاءت به متتبعاً تطور دلالتها على مرّ التاريخ تعد أيضاً من علم اللغة التاريخي، فالتاريخ الصوتي والنحوي والمعجمي لأي لغة من اللغات يدخل في مجالات البحث اللغوي التاريخي، والنحو التاريخي والمعاجم التاريخية من الأركان الأساسية في علم اللغة التاريخي.
ولا يتناول تاريخ اللغات تطورها البنيوي والمعجمي فحسب؛ بل يبحث أيضاً تطورها وحياتها في المجتمع. ومن مجالاته أيضاً علم اللغة التقابلي، وموضوع البحث فيه هو المقابلة بين لغتين ثنتين أو لغة ولهجة أي بين مستويين لغويين متعاصرين، ويهدف علم اللغة التقابلي إلى إثبات الفروق بين المستويين، لتوضيح جوانب الصعوبة في تعليم اللغات، وبيان أوجه الاختلاف بين اللغتين، فالصعوبات التي تواجه أبناء اللغة اليابانية في تعلمهم العربية ليست هي الصعوبات التي تواجه أبناء اللغة الإسبانية في أثناء تعلمهم العربية على سبيل المثال، لا الحصر.
ومن مجالاته علم اللغة المقارن، وموضوع هذا العلم دراسة الظواهر الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية في اللغات المنتمية إلى أسرة لغوية واحدة أو فرع من فروع الأسرة اللغوية الواحدة، ولذا يقوم المنهج المقارن في علم اللغة على أساس تصنيف اللغات إلى أسر.
ومنها أيضاً علم اللغة الوصفي الذي يدرس لغة واحدة أو لهجة واحدة في زمن بعينه، أو مكان بعينه، ومعنى هذا أنّ علم اللغة الوصفي يبحث في المستوى اللغوي الواحد من جوانبه الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية، ويهتم علم اللغة الوصفي بدراسة بنية أيّ لغة أو أيّ لهجة، فكل لغة وكل لهجة تتكون من أصوات لغوية تنتظم في كلمات، تتألف منها الجمل؛ لتعبر عن المعاني المختلفة، فدراسة أبنية الأفعال في لهجة من اللهجات تدخل في إطار علم اللغة الوصفي.
إن علم اللغة قائم بذاته، مستقل عن هذه العلوم جميعاً، وإن كانت له بها صلات، وكان يستعين بها على دراسته، فهو دراسة للكلام البشري بوجه عام في تكوينه وعناصره وتركيبه، وفي حركته وتطوره، أو في أدائه وظيفته التعبيرية. وتقوم طريقة البحث في علم اللغة على مناهج في البحث تبنى على الاستقراء؛ فإذا أراد الباحث أن يبحث في موضوع ما فإنه يعمد إلى مباحث المتخصصين في كل لغة من اللغات؛ ليستمد من أبحاثهم الخاصة، ويستقي من أمثلتهم ما يعينه على استخراج القوانين والضوابط التي تنطبق على هذه اللغات جميعاً. وهذه المناهج تبنى على المقارنة؛ فاستقراء الشواهد والأمثلة من لغات مختلفة يفسح المجال للموازنة بين هذه اللغات، ومعرفة ما بينها من تشابه أو اختلاف، وما بين خصائصها من اشتراك أو تباين، والضوابط والقوانين التي تنظمها جميعاً أو تنظم بعضها من دون بعض، وذلك مما يمكّن الباحث من التحقيق في صحة ما يستنتجه من قوانين عامة في اللغة.
ومن المناهج التي تقوم عليها أيضاً التطور في اللغة، فالألفاظ قد تتبدل معانيها قليلاً أو كثيراً مع مرور الزمن، وكذلك التراكيب لا تبقى ثابتة؛ بل تتحول وتتبدل، ولذلك فإنّ البحث في اللغة يكون على أساس المراحل التي مرّت بهاعلى مرّ العصور بالنسبة إلى كل ما فيه من نواحيها كالأصوات والصيغ والمعاني، فإنّ اللغة كباقي الظواهر الاجتماعية يطرأ عليها التبدل والتغير، ولهذا وجبت مراعاة فكرة التطور في باقي الأبحاث اللغوية. ومنها أيضاً استنتاج القوانين العامة؛ فاللغة مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية، وهي تتبدل وتتطور، فهي لذلك تخضع كما تخضع باقي الحوادث، والظواهر الاجتماعية لقوانين تسير عليها، وتتطور بحسبها.
وأما عن فوائد علم اللغة، فمنها أنّ معرفة اللغة معرفة عميقة وتفهمها وتذوقها يكون بالغوص إلى أعماقها، ومعرفة قوانينها، وسنن تطورها، وبذلك يفهم كثير من الجزئيات، وتحلّ كثير من المعضلات.
 ومنها أنّ علم اللغة يكشف عن عقلية الأمة التي تتكلم تلك اللغة، ويكشف عن جوانب من تاريخها ومدنيتها، فالرجوع إلى المعاني الأصلية القديمة للألفاظ للغة من اللغات يعطينا صورة عن البيئة الأولى التي عاش فيها أصحاب تلك اللغة، كما تفيدنا دراسة تطور هذه المعاني في تفهم عقليتهم، والوقوف على مفاهيمهم، ومجرى تفكيرهم، ولذلك كان علم اللغة كاشفاً تاريخياً للعادات والأخلاق والبيئات.
ومنها أيضاً معرفة أن خصائص اللغة وقوانينها وسنن تطورها يمكننا من إصلاحها ومراقبة تطورها، والسير بها في اتجاه صحيح يناسب خصائصها الأصلية، ولا يعرضها للذوبان والانحلال.
سكينة موعد
 مراجع للاستزادة:
ـ أبو منصور الثعالبي، فقه اللغة وأسرار العربية (دار مكتبة الحياة، بيروت، د.ت).
ـ ابن جني، الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار (دار الكتب المصرية، مصر 1952-1956م).
ـ السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق: المولى وإبراهيم والبجاوي (دار إحياء الكتب العربية، مصر، د.ت).
ـ أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة، تعليق بسج (دار الكتب العلمية، بيروت 1418هـ/1997م).
ـ قسطندي شوملي، مدخل إلى علم اللغة الحديث (جمعية الدراسات العربية، القدس 1402هـ/1982م).
ـ محمود فهمي حجازي، علم اللغة العربية (وكالة المطبوعات، الكويت 1973م).
ـ محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية (دار الفكر، بيروت 1401هـ/1981م).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق